أكتب إليكم هذا المقال فى صبيحة اليوم الثانى للانتخابات الرئاسية وأبشركم وأرجو ألا تصدموا بأن نسبة الإقبال ستظل متوسطة كما هى، ولن يحدث تغيير رهيب أو مفاجأة صادمة، وهذا هو المتوقع، الذى لا يعبر أبداً ولا يمكن ترجمته على أنه مقاطعة من الشعب للانتخابات، بالعكس الروح والحماس الذى شاهدته ولمسته، خصوصاً أمام لجان السيدات شىء عظيم ويستحق التقدير ومكسب كبير، ولا بد أن ندعمه وننميه ولا نحبط من ذهب فى الحر ووقف فى الطابور وأدلى بصوته، الخطأ هو أننا رفعنا سقف التوقعات، الخطأ أن إعلامنا ظل فى حفلة الزار التى يقيمها لإسباغ صفات جبارة على شعب لا يزال فى «كى جى وان» ديمقراطية، الخطأ هو مقارنة خروج الشعب فى 30 يونيو بخروجه للانتخابات الرئاسية، الخروج إلى الشارع 30 مليوناً لا يعنى ترجمته للخروج إلى لجان انتخابات أربعين مليوناً أبداً، الوضع مختلف بالنسبة لشعب تعود على الكسل ويادوب بيفوق من سباته وما زال بيتعود وبيتدرب على الأساليب المنظمة، وهذا ليس عيباً على الإطلاق وليس ذنبه على الإطلاق، بل ذنب من افترسه من الحكام والأنظمة، وهمّشه وأخرجه من المعادلة، فصار كالكسيح الذى يحتاج جلسات علاج طبيعى وجراحات إعادة تأهيل لكى يعاود السير، وما بالك بأنك تريد منه الجرى، المشكلة أنه ما زال هناك قطاع كبير من الشعب المصرى يسكنه فيروس الأنتخة وبكتيريا الكنباوية نسبة إلى الكنبة!!، والذى خرج هذه المرة خرج دون زيت وسكر ودون تجميع بطاقاته الانتخابية من مندوب الحزب الوطنى ودون تجميعه فى ميكروباصات الإخوان أو أوتوبيسات أحمد عز، من خرج هذه المرة خير وبركة ويستحق كل تقدير واحترام، ولا تقل لى من جلس فى البيت جلس على أساس سياسى وإنه مقاطع بناءً على أيديولوجية... إلى آخر هذا الوهم والهراء، بالطبع هناك من قاطع، ولكنهم ليسوا القطاع المؤثر على الإطلاق، لكن القطاع المؤثر للأسف هو قطاع الأنتخة المصرية المزمنة، كسول مرحرح، وجاءت الإجازة الميمونة يوم الثلاثاء لتزيده أنتخة ورحرحة، لو أتى له نبى من السماء ودخل الانتخابات، فسيُفضل أن يذهب إلى مقهى لشد حجرين أو يتمرّغ فى السرير متثائباً أو يقف على الناصية لتضييع الوقت، هل تريد أن تقنعنى أن من أشاهدهم يخرجون بعشرات الآلاف من المدارس التجارية والصنايع والزراعة بعد انتهاء اليوم الدراسى وهم يسبون البعض بأقذع الألفاظ، وأدمغتهم على الزيرو، يأخذون موقفاً من الانتخابات ويقولون مقاطعة؟؟!!، هناك أميون بسطاء أكثر وعياً من شباب متعلم كثير، ألوان طيفه الانتمائى المحب العاشق لبلده من الممكن أن يبدأ بشكل براجماتى عملى وهو أكل العيش، لكنه من الممكن أن يصل إلى حد الوله والغرام بهذا الوطن والبكاء عند سماع أغنية وطنية أو تقبيل علم مرفرف، هى عادتنا والّا حنشتريها؟، أرجو أن يشير إلىّ مواطن مصرى لعله يهدينى ما الانتخابات السابقة التى خرج فيها خمسون مليوناً قبل ذلك؟!، غلطتنا الإعلامية الدائمة هى نفخ بالونة التوقعات حتى تنفجر فى وجوهنا، 30 يونيو لم تكن تحتاج إلا إلى شارع وعلم وحنجرة وعملناها بكل عبقرية وعفوية عندما أحسسنا أن الهوية تضيع والوطن يغتال والعصابة تتسلط، لكن الانتخابات تتطلب طابوراً وترتيباً ونظاماً يحتاج إلى أن نسلط أشعة كونية لإحداث تغييرات جينية للسلوك المصرى، هناك من استجاب لهذا التغيير السلوكى وهناك من كان لديه استعداد، لكن لا بد أن نعترف بأن الطريق ما زال طويلاً، وأن هناك شعباً ترك فى مهب الريح على مدى ثلاثين سنة متعرضاً للمد والجزر الأخلاقى والإنهاك الاقتصادى والسرقة المنظمة والفساد الإدارى... إلى آخر هذا الظلام الدامس ثم خرج فجأة على نور وضوء وشمس ساحة تعبير فضائى وفيس بوكى وتويترى، حتماً سيُصاب بعمى مؤقت، لكنه حتماً سيرى ويتعلم ويشاهد ويفرز، المهم أن نفكر بالواقع لا بالأمنيات.